منبر الأمازيغية

الأمازيغية بين القضية والهوية

 

ورزازات أونلاين

 
بقلم: م. محمد صرصاري

 

قد يحتار البعض بين علاقة اسمي الكامل بعنوان المقال، لكن الأمر ليس بشيء معقد كثيرا، إنه في الحقيقة نسخة مصغرة لما سأناقشه. كبدابة دعوني أخبركم أنا أمازيغي “شلح” عن أبي وجدي على الأقل، وأفتخر بهويتي.

    لكن مع مرور الأيام وتوالي الأحداث في حياتي بدأت أصطدم بعدة إشكالات تضعني أحيانا بين المطرقة والسندان، لغتي أو أصل دمي، بين لساني وروحي. لازلت أتذكر تلك الأيام وانا ابن عشر سنوات بجلبابي الأبيض في أنشطة جمعية “إيزوران” للثقافة الأمازيغية؛ كانت بحق أيام جميلة، هنالك تعلمت “تيفيناغ”، وهناك أنشدت أمام العشرات إحدى قصائد أبي الأمازيغية، وأحببت النضال في سبيل قضية اقتنعت بها وعايشتها. إلى أن بدأت ألتقي ببعض من ينتسبون “للحركة الأمازيغية” فوجدت أن الكثير من الأمور تغيرت أو تشابهت سواء عندي أو عند الناس.
      لست بخبير في الثقافة الأمازيغية وتاريخ النضال في سبيل القضية، لكنني، ومن خلال تجربتي المتواضعة طبعا، كنت أعرف أن القضية الأمازيغية والحراك الأمازيغي أول مرة عرفته كإثبات للذات أمام من يريد محي سماتها من المجتمع، ومن التاريخ، وكدفاع عن
عنصرية وشماتة يتلقاها كل من ينطق بحرف أمازيغي، ثم حفاظا على ثراث بدأ يضمحل ويختفي أمام اختلاط الثقافات المختلفة سواء الداخلية التي نتجت عن الهجرة إلى المدينة وتغيير السكن، أو حتى الخارجية التي أتت عبر التلفاز والراديو والكتاب…. غير أنها – أقصد القضية الأمازيغية- وقعت أسيرة قوقعة أطيح بها فيها، بفعل فاعل، عن قصد أو لقصر نظر من المناضلين، فأصبحت في مفترق طرق، فئة اختارت الاندماج مع كافة التجانسات في المجتمع المغربي الحديث والبحث عن مكانة رسمية من أجل خلق منبر للدفاع بوسائل الدولة، كما فعل أغلب المناضلين وخصوصا الذين كانوا تحت لواء جمعية البحث والتبادل الثقافي، والذين كان لهم اسهام كبير في تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية و إدارته، وحتى في إنجاح تجربة القناة الثامنة الأمازيغية. فئة ثانية اختارت اللامبالاة وعيش حياتها بكل هدوء.
     وفئة أخرى أبت التخلي عن سنوات النضال، وعن القضية، لكنها ضاعت وتاهت بين الهوية والقضية. كيف ذلك؟ بكل بساطة أصبحت تخلط بين هويتها وحقها في الوجود، وبين قضيتها وحقها في الاعتراف والتنزيل، وتماما كما أراد من لا يناصرها، وأصبح يستعمل هذه الفئة نفسها من أجل إفشال مساعي القضية وأهدافها. وهنا وجب وضع النقط على الحروف، وكشف الغموض كي نعرف أين كنا وأين نريد أن نصل.
       فالهوية الأمازيغية لن ينكرها أحد إلا إن كان من الجهل والغباء بمكان، فهي ثابتة لا تتزحزح ولا تحتاج لنقاش بالتاريخ والأعراف سواء القديمة والجديدة، فيجب تجاوز لا التشكيك في أصل الهوية (لمن يشكك في أصل الأمازيغ ويناقش من أين أتوا) ولا الرجوع إلى الماضي السحيق والبقاء معلقين هناك (لمن يرجع لماسينيسا ويبقى معلقا هناك) فالهوية إذن تحتاج لاستقرار والتكيف مع التاريخ الجديد وتحديثها؛ أمريكا التي تضم عددا من الحضارات والإثنيات القديمة أصبحت كيانا واحدا اليوم تتكامل فيما بينها وإن كان التاريخ يشهد أن بعضها أباد بعض؛ فإذن نحن في عصر لا يعقل أن يشك فيه أحدهم في أمازيغيتك وهويتك، إنها حقك باعتراف التاريخ والجميع. أما القضية التي هي موضع خلاف، فأنا أستغرب كيف أن النضال قد دام سنوات وسنوات، وبقية الشرارة وغابت الأهداف، وأستغرب أكثر كيف يأتي الدستور الجديد بأمور جديدة استغلها كل من لديه قضية ونضال ومن بينها الأمازيغية، لكن دون أن يستغلها أحد، أغلب الأحزاب السياسية إن لم أقل كلها لم تحدد بعد موقفها من القضية!!! أما الحركات “الأمازيغية” فإنها لم تستطع أن تستغل هذه النقطة بالذات وبطريقة ذكية وعملية (فكرة تأسيس حزب أمازيغي مثلا أكل الدهر عليها وليس عملية كثيرا) .
      وهذا لا يمنع تأسيس حزب جديد ليس بالضرورة أن يكون “أمازيغي” بالإسم لكنه يخدم القضية. وفي رأي المتواضع يجب علينا كأمازيغ أن نحرر عقولنا ونعمل على قضيتنا بشكل عملي وعِلمي، عبر الانتماء السياسي للأحزاب والدفاع عن القضية من داخل المنظومة، وتطوير وسائل إنجاح القضية والحفاظ على الثراث الأمازيغي. ثم وجب التكوين المستمر للجيل الصاعد والأجيال القادمة وحتى لأنفسنا، عن طريق توفير المادة الأولية للتكوين، واستعمال التكنولوجيات الحديثة، وتسخير الإعلام والسينما. هكذا ستتحرك عجلة القضية الأمازيغية وتخرج من ذاك الزقاق الضيق لتتنفس الحرية… أما أن نأتي بمناضلين متشبعين بالقضية ولكن تختلط عليهم الامور فيناقش الدين والملة كأنها جزء يتعارض مع الهوية، وأن نستعمل الأرض والحق في الأرض كذريعة أخرى، فهي أمور أكل عليها الدهر وشرب وليست في محلها، إذ أن الدين والملة اقتناع شخصي سواءا كنت أمازيغيا أو عربيا أو فرنسيا أو أمريكيا….فلايشترط مثلا أنك إذا أردت أن تكون يهوديا يجب أن تكون عبريا، أو لكي تكون مسيحيا يجب أن تكون لاثينيا، ولتكون أمريكيا يجب أن تكون مسيحيا, أبدا أما سؤال الأرض فهو في غير محله لأن الغلبة أصلا لأصحاب القضية، وحتى الوطن الذي نعيش فيه فأغلب رجالاته العظماء هم أصلا أمازيغ فمع من نتصارع. وعليه فإن بقينا في هذه القوقعة فإننا ننسف أهدافنا ونخسر تعاطف وثقة المناضلين شيئا فشيئا، ونعطي انطباعا بأننا ضعاف شخصية لا أصحاب مبادئ ونبقى نصارع الرياح كالدونكيشوت…فالمزيد من النضال، والمزيد من العمل لأن لدينا وطنا أصلا فيجب العمل على إكماله وتقويته لا البحث عن وطن آخر من دهاليز التاريخ… فطورا واعملوا وانتسبوا يا أمة شهد بقوتها التاريخ.

 

ما تعليقك على الموضوع ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

Adblock لايمكنك تصفح جميع محتويات الموقع مادمت تستخدم إضافة منع الإعلانات