رضوان جخا : مشروع قانون المالية… الرهانات والتحديات
يأتي مشروع قانون المالية للسنة المقبلة 2025 بموازاة مع محطة سياسية مهمة تجلّت في التعديل الحكومي للنسخة الثانية للحكومة، وذلك تنزيلا لِمضامين بلاغ الديوان الملكي في السابع من شهر أكتوبر 2021 من جهة أولى، ومن جهة ثانية باعتبار التعديل الحكومي هو محطة سياسية محمودة للتقييم المرحلي لعمل الحكومة ، خصوصا مع ملاحظة تغييرات داخل وزارات مهمة على غرار الصحة والحماية الإجتماعية ،التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة ،التعليم العالي والبحث العلمي و الإبتكار والفلاحة والصيد البحري، لكن أهم شي ملاحظ وهو مرتبط كذلك بمشروع قانون المالية هو في إضافة ستّ كتاب الدولة الذين كلفوا بقطاعات أبرزُها الشغل والإدماج الإجتماعي والإقتصاد الإجتماعي والتجارة الخارجية، ما يؤكد المجهود الذي ينتظره للمساهمة في التسريع بتنزيل الأوراش الإستراتيجية والهيكلية التي بدأتها بلادنا على غرار استكمال مسار أسس الدولة الإجتماعية، كما يأتي مشروع قانون المالية للسنة المقبلة في سياق إيجابي يُبَشر بموسم فلاحي جيد مع التساقطات المطريّة التي تعرفها المملكة المغربية بمختلف أقاليمها.
إِذا قُمْنا بتحليل مشروع قانون المالية 2025 يتضح جليا بأنّه يرتكز على أربع أبعاد أساسية أهمها من وجهة نظري المتواضعة هو البعد الأول المتمثل في إستكمال مسار تنزيل أسس الدولة الإجتماعية والبعد الثاني الذي يهدِف إلى توطيد دينامية الإستثمار، وربطه بالتأثير أكثر في خلق فرص الشغل لدى شريحة الشباب وتحسين مناخ الأعمال.
إذا بدأنا بالبعد الأول فهو رهان كبير، ورش ملكي يسير بدينامية إيجابية،يتضح خلاله تلاقح العديد من القطاعات الوزارية، بدءً بتعميم الحماية الإجتماعية بقانون إطار رقمه 09.21 بمرتكزاته الأربعة؛ على غرار تعميم التغطية الصحية الإجبارية لإثنين وعشرين مليون نسمة، حيث نجد مشروع قانون المالية 2025 سَيعمل على تَخصيص حوالي 10 مليار درهم إضافية لهذا البرنامج ، أما المرتكز الثاني وهو كذلك مهم يرتبط بالدعم الإجتماعي المباشر مع التعويضات العائلية للأطفال المتمدرسين، حوالي سبع ملايين طفل، والأطفال ذوي الهمم كذلك بتكلفة مالية مهمة بمشروع قانون المالية تناهِزُ قرابة 26,5 مليار درهم، دون نسيان مواصلة توسيع قاعدة صندوق التقاعد، زِدْ على ذلك تخصيص وعاء مالي يقدر ب 32.6 مليار درهم لقطاع الصحة ،وبالتالي نستشِفّ بأن هناك مجهودا ماليّا مهمّاً لإستكمال مسار تعميم الحماية الإجتماعية.
من بين كذلك مرتكزات الدولة الإجتماعية نجد قطاع التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة ، مشروع قانون المالية سيخصص له قُرابَة 85.6 مليار درهم، تكلفة مالية كبيرة حسب مشروع قانون المالية لمواصلة تنزيل خارطة الطريق التربوية طبقا لقانون الإطار 51.17 ،على سبيل المثال لا الحصر مدارس مشروع الريادة 2626 مدرسة ابتدائية و إعداديات الريادة 232 إعدادية للريادة وطنيا ، دون نسيان مواصلة ورش تعميم التعليم الأولي بشراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
من مرتكزات مشروع قانون المالية كذلك ورش تنزيل مضامين الحوار الإجتماعي مع إضافة 20 مليار درهم لهذا السياق في مشروع قانون المالية 2025 ، في أُفق حسب الحكومة وصوله لخمسة وأربعين مليارا السنة بعد المقبلة، كما اتضح من مشروع قانون المالية بأنه سيقوم بِتنزيل نقطة التخفيض الضريبي التي كانت من بين نقاط الحوار الإجتماعي عبر تحسين الدخل، لذلك بكل موضوعية نَستشّفُ مجهودا ماليا مهما، لتنزيل أسس الدولة الإجتماعية على أمل العمل الحكومي الإضافي لحلحلة باقي التحديات دخل هذين القطاعين الأساسيين خصوصا رهان تكوين وتحفيز الموارد البشرية العاملة بِقطاعي الصّحة والتعليم بِطريقة تشاوريّة مع مواصلة جولات الحوار الإجتماعي بشكل مُتَسلسل.
أمّا إذا تَطَرّقنا للبعد الثاني من مرتكزات مشروع قانون المالية 2025 المتمثل في توطيد دينامية الإستثمار وخلق فرص الشغل، فقد تحدث مشروع قانون المالية عن طموح بلوغ معدل للنمو يصل لِ%4.5، مع تخفيض معدل التضخم وحصره في نسبة %2، من وجهة نظري أعتقد بأنّ أهمّ رهان وجب اعتباره أولوية خلال قوانين المالية المقبلة هو رهان التّشغيل مع تحدي معدلات البطالة التي وصلت خلال سنة 2023 والربع الأول من سنة 2024 حوالي %13.7، ومع كذلك عدد الشباب الذين لا تكوين لهم ولا دراسة ولا شغل التي تطرق لها تقرير المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي (مليون ونصف شاب) ، ما يعني أنّ مجهودا كبيرا ينتظر الحكومة للعمل على تقليص هذه النسب، مشروع قانون المالية 2025 تحدث عن إحداث حوالي 29 ألف منصب داخل الوظيفة العمومية، كما تضمن مشروع قانون المالية تخصيص 14 مليار درهم لتنزيل مقاربة مندمجة جديدة للتشغيل، لكن مع ذلك من وجهة نظري يُمكن تحقيق معدلات أفضل لتشغيل الشباب خصوصا إذا تمّ التنسيق بشكل أكثر نجاعة بين القطاعين الخاص وَالعمومي ، وبالتّحديد إذا ما تَمّ الإستفادة من الدينامية الكبيرة التي خلقتها الحكومة في مجال الإستثمار، فإذا ما تمّ توظيفها بشكل يركز أكثر على خلق فرص الشغل، يمكن للقطاع الخاص آن ذاك أن يلعب دورا جوهريا أكثر مما يلعبه حاليا في مجال خلق فرص الشغل للشباب ، وهذا هو طموح قانون الميثاق الجديد للإستثمار 03.22، بمعنى عكس قاعدة الهرم ليصبح القطاع الخاص يشكل الثّلثين عوض الثلث حاليا، فكما قلت سالفا هناك دينامية كبيرة في مجال الإستثمار، مثلا في سنة 2024 بلَغَت حوالي 335 مليار درهم بارتفاع وصلَ لِ %11 مقارنة بالسنة الماضية ، وفي مشروع قانون المالية المقبل يتوقع أن يصل ل 340 مليار درهم، منها 137.7 مليار درهم من المتوقع أن تستثمر داخل المقاولات والشركات الكبيرة والمتوسطة، بارتفاع وصل ل %4 مقارنة بهذه السنة ،و128 مليار درهم بارتفاع %8 لإستثمارات الميزانية العامة، لذلك فهناك مجهود استثماري كبير نَأملُ أن يكون له وقع إيجابي في خلق فرص الشغل لدى الشباب، كما أنه مثلا يمكن أنْ يكونَ هناك تلاقح بين المقاربة المندمجة للشغل التي تريد تنزيلها الحكومة بدء من مشروع قانون المالية 2025 مع دينامية الإستثمار، لا ننسى أيضا بأنّ من الرهانات الكبرى للميثاق الوطني للإستثمار هو أن بلوغ َتنمية مُنصِفة للمجال ،بمعنى العمل على توزيع استثماري متكافئ نوعا ما بين الجهات الاثني عشر، من خلال تحفيزات ضريبية للإستثمار مثلا بجهات كدرعة تافيلالت، خنيفرة بني ملال…
أمّا في مايخصّ تكوين الشباب فيه كذلك مجهود خصوصا مدن المهن والكفاءات هذا الورش الملكي الإستراتيجي الذي خصص له جلالة الملك خطابين ملكيين وثلاث جلسات عمل لتنزيله، هناك تظهر أهمية هذا الورش الإستراتيجي المبنى على مُقاربة المزج بين النظري والتطبيقي بحوالي 57 مركزا، مشروع قانون المالية 2025 يتوقع الرفع من نسب الطلبة الشباب المكونيين داخل فضاءات مدن المهن والكفاءات التي وصلنا للمدينة الثامنة فيها ( مدينة واحدة للمهن والكفاءات بكل جهة) ، مع الرفع التدريجي للطلبة الوافدين من 25 ألف متدرب سنويا إلى مئة ألف مستقبلا.
من بين التحديات كذلك التي يحاول مشروع قانون المالية مقاربتها هو تحدي التضخم الذي تطمَحُ الحكومة لِحَصره في %2، وما يتطلبه ذلك من مجهود جبار لحلحلة تحديات ارتفاع أسعار مجموعة من المواد الغذائية واللحوم ، كما أنّ مشروع قانون المالية لديه طموح تخفيض عجز المالية من %3.6 حاليا إلى حوالي% 3 السنة المقبلة، لأنه مؤشر مهم لضمان السيادة المالية، وضمان استدامة المالية العمومية.
من بين كذلك الرهانات الجوهرية لمشروع قانون المالية نجد مواصلة تنزيل الأوراش الإستراتيجية الخاصة بقطاع الماء الصالح للشرب والسقي، أعتقد مع الأمطار والسيول الغزيرة التي حبانا بها الله تعالى سيكون لها أثر طيب على الموسم الفلاحي، مشروع قانون المالية 2025 سيخصص تقريبا 18 مليار درهم لمواصلة تنزيل التوجيهات الملكية التي تطرق عبرها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله في ثلاث خطب ملكية لموضوع الماء؛ من خلال مواصلة بناء 15 سدا كبيرا إضافة إلى برمجة ثلاث سدود كبرى، ومجموعة من السدود الصغيرة والمتوسطة خصوصا بالمناطق التي تشهد غزارة في التساقطات المطريّة، ومواصلة تنزيل محطات تحلية مياه البحر عبر اعتماد الطاقات النظيفة.
أما مسار تفعيل الجهوية المتقدمة فَإلى جانب العشر ملايير درهم المخصص سنويا فقد تضمن مشروع قانون المالية 2025 الرفع من حصة الجماعات الترابية من مداخيل الضريبة على القيمة المضافة من %30 هذه السنة إلى %32 السنة المقبلة، حتى يتسنى للجهات القيام بأدوارها واختصاصاتها الذاتية الجوهرية ومكانتها الرئيسية في التنمية المجالية التي أقرّها القانون التنظيمي 111.14.
ختاما بالطبع هناك مؤشرات وطموح إيجابي يتضمنه مشروع قانون المالية 2025 خصوصا في المجال الإجتماعي والاستثماري، لكن هناك رهانات وتحديات مركبة وجب مواصلة الجُهد فيها لحلحلتها بشكل تدريجي، وأهَمّها من وجهة نظري المتواضعة الرفع من أثر ووَقْع دينامية الإستثمار في خلق فرص الشغل، ومدى التوازن في الإستثمارات بين الجهات، عبر بلوغ العدالة المجالية، وعدم تركيز الإستثمارات فقط بجهات بِعَيْنها وهو من الرهانات والتّطلعات التي تَنتَظِرُ مشروع قانون المالية 2025.