مدارس سكورة …المنشأ و الصيرورة “الجزء الثاني”
مدارس سكورة …المنشأ و الصيرورة
الجزء الثاني : الراهن و الرهانات.
خاص لورزازات أونلاين
رشيد سليمان
بعد الصيرورة العسيرة لتشكل مدارس سكورة إبان فجر الاستقلال و تفاعلها مع المتغيرات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية الوطنية ، التحقت أفواج من أبناء المنطقة بأقسام الدرس رغبة في التعلم و اكتساب المهارات المعرفية و المهنية الكفيلة بإخراجهم من واقع الجهل و الأمية و الفقر ، الشيء الذي مكن البعض منهم – خصوصا الرعيل الأول – من الترقي الاجتماعي و بلوغ مناصب هامة بمختلف الإدارات و المؤسسات العمومية ، و هو ما انعكس إيجابا على المنطقة ككل و ساهم في التعريف بها بواسطة عدد من شبابها الذين غادروها إلى مدن أخرى بغرض استكمال تعليمهم الثانوي و الجامعي أو العمل .
• الراهن :
استمر توسع المؤسسات التعليمية الابتدائية بالمنطقة ليشمل كافة دواويرها ، كما تم إنشاء مؤسسة إعدادية بداية الثمانينيات (1983-1984) –هي إعدادية الزيتون – لتمكين الأعداد المتزايدة من التلاميذ الحاصلين على الشواهد الابتدائية من متابعة دراستهم بها ، بعدما كان لزاما على أبناء المنطقة الاستقرار بمدينة ورزازات أو بغيرها من المدن إن رغبوا في استكمال السلك الإعدادي و الثانوي ، و هو الشيء الذي لم يكن متاحا للجميع بطبيعة الحال بالنظر للمستوى المادي الضعيف لأغلب الأسر بالمنطقة ، بعد ذلك تم بناء قسم داخلي بهذه المؤسسة لإيواء التلاميذ و التلميذات المنحدرين من الدواوير البعيدة ، كما تم توسيعها تدريجيا لتشمل المستويات الثانوية –أي الباكالوريا – ، بموزاة ذلك تم الشروع في العمل بالجمعية الخيرية الإسلامية المعروفة اليوم باسم دار الطالب و الطالبة، لتوفير الإيواء و التغذية لبعض التلاميذ المعوزين بمساعدة مؤسسة التعاون الوطني و بعض المحسنين ، كما تم إنشاء مؤسسة ثانوية جديدة هي ثانوية أبي القاسم التأهيلية سنة (1993-1994) ، في خطة لفصل المستويين الإعدادي عن الثانوي بعد تزايد أعداد التلاميذ و عجز إعدادية الزيتون عن استيعاب تلامذة المستويين .
و اليوم يبلغ عدد الممدرسين بالمنطقة حوالي 3400 تلميذا و تلميذة ، أكثر من نصفهم( 57 % ) يتوزعون على عشرة مؤسسات ابتدائية بكل من امزاورو و الزاوية و امدري و سيدي افلاح و تمسراوت و ايماسين و الخامسة و تركيوت و اولاد يعكوب و مدرستين بالمركز (سكورة و كم ) ، و عدة مؤسسات فرعية باولاد اعمر و اولاد العربية و اولاد اعميرة و تمنزرفت و تجنات و لهبابزة و الروضة و تمنيت و غيرها ، و 43 % بمؤسستي مولاي الطاهر بن عبد الكريم (الإعدادية ) بعد تغيير تسميتها القديمة “الزيتون” تيمنا بابن المنطقة المقاوم الشهيد مولاي الطاهر بن عبد الكريم أحد مؤسسي منظمة الهلال الأسود المقاومة للاستعمار و ثانوية أبي القاسم التأهيلية .
غير أن واقع حال هاته المؤسسات التعليمية و رغم التوسع الكبير الذي عرفته ، لا يختلف إطلاقا عن واقع مجمل المؤسسات التعليمية بالجنوب الشرقي –على الأقل – ، سواء من حيث البنيات التحتية أو التجهيز أو الموارد البشرية ، بما يعنيه ذلك من استمرار هيمنة أقسام البناء المفكك المنتهي الصلاحية و المعرض للتهاوي –لا قدر الله – في أي لحظة ، إضافة لعدم ملائمتها للمناخ الصحراوي/القاري السائد بالمنطقة ، و الذي يضاعف معاناة التلاميذ و الأطر التعليمية مع البرد القارس خلال فصل الشتاء و اشتداد الحرارة خلال بدايات فصل الصيف ، في غياب ابسط الشروط اللازمة لمواجهة ذلك ، ناهيك عن التجهيز البدائي الذي تعرفه هذه المؤسسات و الذي لا يتجاوز الحد الأدنى المطلوب لانطلاق العملية التعليمية ، و مشاكل الخصاص الدائم في الموارد البشرية و الإدارية و الناتج عن عدم مواكبة الأعداد المتزايدة للمتعلمين بالأطر اللازمة.
كما لازالت مشاكل الانقطاع و الهدر المدرسي مستمرة و بقوة في ظل محدودية القسم الداخلي الإعدادي و دار الطالب و الطالبة ، و غياب قسم داخلي بمؤسسة أبي القاسم التأهيلية ، و عجز أسطول النقل المدرسي المحلي (سبع سيارات-Minubus) عن تغطية كل النفوذ الترابي للمنطقة و استيعاب الأعداد الغفيرة من التلاميذ و التلميذات المنحدرين من الدواوير البعيدة و النائية ، خصوصا بعدما تفاقمت مشكلات فيضانات الأودية و انقطاع الطرق طيلة المواسم الدراسية السابقة بفعل التقلبات و التغيرات المناخية التي باتت تشهدها المنطقة ، و هو ما يفرض التفكير في حلول جذرية و مبتكرة للمشكل .
• الرهانات :
إذن كي نكون منصفين أكثر في حق هذا القطاع بالمنطقة و حتى تكون رؤيتنا للموضوع محايدة ، و إلى جانب المشاكل و الاكراهات وجب التذكير بحصيلة الانجازات التي سجلها القطاع لحدود اللحظة ، فرغم كل المشاكل السالفة الذكر وجب التذكير بأن منطقة سكورة من المناطق التي تستأثر بميزانية كبيرة من طرف الوزارة المسؤولة و الأكاديمية الجهوية ، إذ يستفيد تلاميذ التعليم الأساسي بالمنطقة بدون استثناء من عملية مليون محفظة ، كما توفر 70 بالمائة من مدارس سكورة الإطعام المدرسي للتلاميذ و التلميذات طيلة السنة ، دون نسيان استئثار سكورة بحوالي ثلث ميزانية برنامج تيسير للدعم المالي بمبلغ بلغ برسم أخر استفادة (شتنبر 2017) حوالي 3.606.260 درهم (أي : ثلاثة ملايين و ستمائة و ستة ألاف درهم ) ، الشيء الذي مكن من استفادة ما مجموعه 2340 رب أسرة بالمنطقة ، علما بأن إقليم ورزازات يضم 17 جماعة ترابية خمسة منها فقط تستفيد من هذا الدعم ، كما نذكر أيضا بأن عددا من المشاريع المتعلقة بتأهيل المؤسسات التعليمية بالمنطقة و التي تهم تعويض بعض الأقسام المفككة و بناء حجرات جديدة و مساكن وظيفية للمدرسين ، و إحداث قسم داخلي بثانوية أبي القاسم و توسيعها ، و إحداث ملحقة إعدادية للقرب بايماسين ، هي كلها مشاريع تمت المصادقة عليها و سيتم إخراجها إلى حيز الوجود برسم السنة المالية 2018 ، بعد تذليل كل العقبات التي كانت تعيقها ، فالواضح إذن أن مشكل القطاع محليا لا يكمن في غياب الإمكانات المادية المرصودة أو ضعفها بقدر ما يكمن في غياب رؤية إستراتيجية استباقية تعالج الإشكالات الحقيقية التي تعيق تطور القطاع .
في ضوء ذلك يبقى الرهان اليوم بالمنطقة لا على التحاق اكبر عدد من التلاميذ بالمدارس الابتدائية ، بل على ضمان توفير شروط استمرار هؤلاء التلاميذ و التلميذات على حد سواء و بمختلف الأسلاك، و ضمان عدم مغادرتها قبل اكتساب الحد الأدنى المعرفي و المهني اللازم لتوفير فرص النجاح بالحياة الدراسية و المهنية ، و ما يستوجبه كل ذلك من إجراءات و تدابير و تمويلات كفيلة بتحقيق هذا المبتغى ، و برأيي فالمنطقة تحتاج لحزمة إجراءات كفيلة بتوفير تعليم عمومي ميسر لجميع أبنائها و بناتها و هي :
-أولا : تعميم تجربة المدارس الايكولوجية بكل المناطق و كل المستويات ، و هي تجربة فريدة و ناجحة تتميز بخصوصية بنائها المتميز بسمك جدرانه الكبير و الذي يتجاوز 90 سنتمرا عرضا و بعلو أسقفه عن الأرض بحوالي خمسة أمتار و بحجم النوافذ الصغير و انفتاحها على جهتي الشرق و الغرب فقط، و هي كلها خصائص تقف حائلا و عازلا أمام التأثر بعوامل الحرارة و البرودة و الرطوبة والجفاف الخارجية، وتصنع مناخا داخليا معتدلا للحجرات الدراسية مغاير للمناخ الخارجي ، يزيد من اعتداله انفتاحه على وسط طبيعي مليء بالأشجار الوارفة الظلال و حدائق طبيعية فارزة للأوكسجين والتي تعمل على تصفية الهواء و ترطيبه، و هي أمور تزيد من اقتصاد الطاقة بفعل عدم الحاجة إلى تدفئة أثناء الشتاء أو تهوية وتبريد أثناء الصيف، بفعل نمطه الفريد الذي يعمل على الحيلولة دون الإمداد الشمسي أثناء الصيف و يضاعفه أثناء الشتاء ، و هي التجربة التي تم تفعيلها بنجاح بمدرستي تريكوت و اولاد مرزوك ، إذا انضافت إليها تراكمات تجربة مدرسة سكورة المركزية الرائدة في مجال التربية البيئية و اقتصاد الطاقة و السقي بالتنقيط و استعمال الطاقة الشمسية ، و التي كانت سببا في تبوأها لصدارة المدارس الحاصلة على اللواء الأخضر ، فان الخلاصة لا شك ستكون تجربة جديدة مبتكرة تستحق التعميم على كل المدارس ، و تستحق بأن يرافع عليها المنتخبون بكل مستوياتهم من أجل دفع الجهات المسؤولة مستقبلا لاعتماد البناء المحلي بدل تعويض المفكك بالأقسام الإسمنتية ، و استعمال الطاقة الشمسية بدل الكهربائية ، و إلزام المؤسسات ببرمجة الأنشطة البيئية بشكل دائم .
– ثانيا : إحداث مدرسة سكورة الجماعاتية ، فمن أجل محاربة ظاهرة الاكتظاظ بالأقسام الداخلية و بالنقل المدرسي ، و إيجاد حل نهائي لمعضلة الانقطاع و الهدر المدرسي خصوصا في صفوف الفتيات ، فان الحاجة ماسة اليوم بالمنطقة لإحداث مدرسة جماعاتية نموذجية ، و هو مشروع بات يفرض نفسه بقوة و تبدو مدرسة سكورة المركزية مؤهلة أكثر من غيرها لاحتضانه ، بفعل توفرها على كل الشروط الضرورية لذلك من مساحة شاسعة و موقع استراتيجي بمنطقة تتوفر فيها كل الشروط الحياتية الضرورية لذلك من ماء وكهرباء ، و قرب من التجمعات السكنية و المركز الصحي و مصالح الدرك .
– تالثا : إحداث ملحقة للتكوين المهني و الأنشطة النسوية بالمنطقة ، و ذلك بالنظر للإعداد الغفيرة من الشباب و الشابات الذين يغادرون المدرسة بعد المرحلة الإعدادية و لا يتلقون أي تكوين يساعدهم في إرساء مستقبلهم الدراسي و المهني ، و يبعدهم عن السقوط في براثن الانحراف و الانحلال و التطرف .
– رابعا : التفكير الاستباقي في تفعيل فكرة المركبات التعليمية التربوية : و هي فكرة أرسى دعائمها الأستاذ- بنعيسى احسينات في كتابه ” التربية والتعليم بالعالم القروي في المغرب” ، و تشمل قرى تربوية تعليمية في أمكنة مناسبة تخضع لمقاييس جد دقيقة، تعتمد أساسا على الكثافة السكانية وشبكة المواصلات وسهولة تحركها، حيث تستفيد منه جماعة أو جماعتين أو مجموعة من الجماعات القروية، حسب عدد السكان وقوة الإنجاب بها، وهي عبارة عن مجمع مدرسي ابتدائي وإعدادي وثانوي ، متوفر على قسمين داخليين واحد للذكور و أخر للإناث مصنفين بحسب السن و المستوى الدراسي ، و بها مساكن وظيفية للمدرسين والإداريين ، إلى جانب مرافق ترفيهية و ملاعب رياضية وقاعات إعلامية و مرافق اخرى فنية و ثقافية ، وهذا أمر يوفر للدولة الكثير من الأموال و الموارد البشرية ، ويحد من الاختلالات المادية والبشرية والتعليمية التي ترهق كاهلها وكاهل الساكنة القروية وأبنائهم وبناتهم، وتدمر معنويات رجال ونساء التعليم العاملين بالوسط القروي الذين يعانون من قسوة ظروف العمل، و هي الفكرة التي عبرت العديد من المؤسسات الدولية المانحة عن استعدادها لتمويلها و إخراجها إلى حيز الوجود .
– المراجع :
– إبراهيم حركات،المغرب عبر التاريخ،الجزء الثاني، دار الرشاد الحديثة،الدار البيضاء،2003 .
– أبو العباس بن خالد الناصري، كتاب الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى،الجزء الثالث، منشورات وزارة الثقافة و الاتصال،2001.
– عبد الله العروي، مجمل تاريخ المغرب، المركز الثقافي العربي، ج3،2007، ص153.
– روايات شفوية لقدماء هيئة التدريس بالمنطقة و بعض رموز المقاومة (ل-ر) (ب-ع) (ن-م(.
– وثائق إدارية – ملفات التوظيف – شهادات حية .
– التربية والتعليم بالعالم القروي في المغرب: ” من الاختلالات القاتلة إلى البدائل المرغوب فيها ” ذ-بنعيسى احسينات .