تدبير النقل الحضري بورزازات، الحاجة الى تخطيط حضري إستراتيجي للمدينة تبرز من جديد

في مدينة تعج بالانتظارات الحارقة لساكنتها ، في الصحة و التشغيل و السكن والتعليم و الترفيه و الرياضة و التجهيز ،برز من جديد ملف النقل العمومي الحضري و ذلك على هامش احداث و تفعيل محطة جديدة لوقوف سيارات الأجرة الكبيرة – خط جماعة ترميكت بالفضاء المحادي للسوق المغطى ،اذ عاد النقاش مجددا حول جودة النقل العمومي الحضري بالمدينة عموما و مدى استجابته لانتظارات المواطنين الورزازيين و المواطنات الورزازيات بمختلف أحياء المدينة ، و هو الامر الذي يحيلنا مباشرة الى ما هو أعمق و أدق من ذلك ،و هو مسالة مدى توفر المدينة أصلا على مخطط حضري استراتيجي مرجعي .
و ليس المقصود هنا مدى توفر المجلس الجماعي على “برنامج عمل ” لتنزيل مشاريعه و مبادراته و قراراته ذات الطبيعة التنموية من عدمه،بل المقصود و المطلوب هو إقرار وثيقة تخطيط استراتيجي حضري للمدينة بشكل تشاركي بين المجلس الجماعي من جهة و باقي المتدخلين في نفوذه الترابي كمجلس الإقليم و مجلس الجهة و رئاسة الحكومة و القطاعات الوزارية الأساسية (خصوصا منها وزارة الداخلية و وزارة التعمير و السكنى و سياسة المدينة و النقل و التجهيز و التجارة و الصناعة و السياحة …الخ ) و الغرف المهنية و وكالات التنمية و غيرهم ،و هذا أمر يتطلب تعبئة كل الجهود و المرافعات من طرف كل من أسندت اليهم أمور تدبير هذه المدينة/الإقليم من رؤساء المجالس و الغرف و البرلمانيين لأجل هدف واحد هو اقناع الحكومة بوجوب إقرار برنامج شامل لتنمية المدينة بدل التباكي عبر وسائل التواصل الاجتماعي على الغاء رحلة طائرة .
• احداث محطة سيارات الأجرة الكبيرة لترميكت – خطوة في الاتجاه الصحيح :
بغض النظر عن الظروف و الملابسات التي جرى فيها تحويل محطة وقوف سيارات الأجرة الكبيرة الخاصة بربط المدينة بجماعة ترميكت و التي لا اعلم عنها الشيء الكثير ، فان هذا القرار برأيي هو خطوة في الاتجاه الصحيح ،على أساس أن مكانها القديم بموقف سيارات تجزئة الريحان غير ملائم بالمرة ،كونه صغيرا و يعرقل السير و الجولان هناك ،ناهيك على ان مرتفقي و زوار ساحة الموحدين ضاقوا درعا بقلة مواقف السيارات هناك ،خصوصا بعد الاقبال المسجل على الساحة و محيطها التجاري بفعل عمليات التنشيط الفني و الثقافي التي باتت تعرفها مؤخرا .
اذن فنقل هذه المحطة نحو الفضاء المحادي للسوق المغطى بحي دوار الشمس يعتبر في حد ذاته إيجابيا و معقولا ،رغم بعض النقائص المسجلة كغياب المرافق الصحية و تغطية اماكن الانتظار و التي لم تكن موجودة أصلا بالمكان القديم ،و المؤكد ان هذا النقائص هي واحدة فقط من تحديات التخطيط الحضري للمدينة ككل و ليس لمحطة وقوف سيارات الأجرة فقط ،و أكيد ان حلها يجب ان يتم في إطار برنامج يشمل عموم مناطق المدينة و شوارعها و مرافقها و منتزهاتها بما فيها هذه المحطة و المحطة الطرقية على السواء .
فالفكرة في الانتقال بسيارات الأجرة الكبيرة من موقف سيارات صغير الى محطة متوسطة و مستقلة بحد ذاتها فكرة معقولة و مبادرة محمودة لا ينكرها الا جاحد ، و أكيد انها البداية فقط لمباشرة ورش تحديث قطاع النقل الحضري بالمدينة و معالجة اختلالاته و هي بالمناسبة كثيرة جدا و متراكمة .
• النقل الحضري كتحد من تحديات التخطيط الحضري الاستراتيجي للمدينة :
لكن قرارا كهذا اذا لم يكن مقدمة و فاتحة لتحديث قطاع النقل الحضري بالمدينة ككل فلن يكون له تأثير كبير و سرعان ما سيفقد قيمته ،لذلك فالأمل معقود على ان يفتح الباب على مصراعيه لإطلاق نقاش جاد و مثمر حول اي نقل حضري نريد ؟؟ و اي تخطيط حضري يصلح لمدينة كورزازات ؟؟
قطاع النقل الحضري بورزازات اليوم يطرح تحديات كبيرة على أربع مستويات أساسية :
– المستوى الأول : و يشمل مركز المدينة في علاقتها بأحيائها البعيدة بثلاث محاور على الاقل و هي محور (الاطلس/ الحي المحمدي/ الكلية المتعددة التخصصات) و محور (اناتيم/ايت اكطيف/ السلام ) و محور (تماسينت/فدراكوم / اسفوتاليل) .
– المستوى الثاني : و يهم ربط المدينة بالجماعات المحيطة بها أولا و على رأسها ترميكت و ادلسان و سكورة و غسات و امرزكان ، و بباقي جماعات الإقليم ثانيا .
– المستوى الثالث : و يهم ربط المدينة/الإقليم بمدن مراكش و أكادير و تنغير و زاكورة و أزيلال و الراشيدية بشكل أساسي و بباقي المدن الأخرى عبرها.
– المستوى الرابع : و هو مستوى خاص و يهم ربط المدينة بمحيطها السياحي داخليا و خارجيا ،سواء بمناطق جلب السياح المغاربة و الاجانب ، أو بضمان نقلهم بأريحية و توفير وسائل تجوالهم داخل المدينة و الإقليم انطلاقا من الفنادق و المطار .
و هي مستويات /دوائر تتوسع تدريجيا انطلاقا من مركز المدينة في كافة الاتجاهات و تفترض اصلاحا و تحديثا يوازي حجم الانتظارات المرجوة في كل مستوى قبل الانتقال للمستوى الذي يليه ،و هذا برأيي يستلزم تخطيطا حضريا شاملا و بعيد المدى ،يستحضر حاجيات ساكنة المدينة و زوارها و عابريها في أفق عشرين سنة المقبلة او اكثر ، و هذا ما يستلزم استحضار حجم نموها الاقتصادي المتوقع خلال هذه المدة و نمو بناها التحتية و توسعها العمراني و تغيراتها الديموغرافية أيضا .
و تنوع المستويات هذا يفترض وجوبا احداث مخطط مدروس يقوم على التحديث و التنويع في وسائل النقل العمومي الحضري بين سيارات الأجرة الصغيرة و سيارات الأجرة الكبيرة و حافلات النقل الحضري و حافلات الربط بين المدن و النقل الترفيهي و السياحي ، كما يفترض التوفر على رؤية مستقبلية لتوفير البنى التحتية و الطرق و العقارات اللازمة و الكفيلة باحتضان كل الاشكال الاخرى الممكنة من النقل كالنقل السككي و الطريق السيار مثلا ،و تحديث المحطة الطرقية الرئيسية و احداث أخرى فرعية لوقوف حافلات النقل الحضري و وقوف سيارات الأجرة الصغيرة و تجهيز أماكن التوقف المؤقت و توسيع الشوارع و توفير التشوير المناسب .
• في الحاجة إلى برنامج عام للتأهيل الحضري المندمج لمدينة ورزازات :
ان مدينة نامية بحجم ورزازات كعاصمة حقيقية للقصبات الشامخة و منارة للطاقة الشمسية النظيفة و بطموحاتها الحالية لتستمر كوجهة فريدة للسينما بقارة افريقيا و قبلة سياحية مميزة بالمغرب ،لا تشرفها الوضعية الحالية لحافلات النقل الحضري الصغيرة و المتهالكة و الدائمة التعطل و التوقف وسط الشوارع لتعطل معها مصالح العباد و البلاد ، كما لا يشرفها بقاء ثلث ساكنة المدينة تقريبا في عزلة عن مركزها بما في ذلك مرافقها الإدارية و التعليمية و الصحية و الترفيهية و اقصد هنا
ساكنة تجزئات و أحياء كالحي المحمدي و الاطلس و تماسينت و فدراكوم ، بفعل رفض بعض سائقي سيارات الأجرة الصغيرة نقل المواطنين نحوها و غياب بدائل أخرى، ناهيك عن أن الافتتاح المرتقب – قريبا – للقنطرة الجديدة الرابطة بين تصومعت و تجزئة زاوية سيدي عثمان سيكون بدون فائدة ما لم يتم توفير وسائل النقل العمومي الملائمة بين العدوتين (ورزازات و ترميكت) ، خصوصا اذا استحضرنا افتتاح مؤسسة للتعليم العالي (المدرسة العليا للتكنولوجيا ) بجماعة ترميكت و وجود الكلية المتعددة التخصصات بالحي المحمدي بورزازات و ما يفرضه هذا الوضع من تنقلات مضاعفة للطلاب والطالبات بين الجانبين ،اضف الى ذلك غياب اسطول للربط الحضري بين المدينة و الجماعات المحيطة بها (طوبيسات) ،و تهالك اسطول حافلات الربط بينها و بين المدن الكبرى كمراكش و اكادير في تمييز سلبي آخر تجاه ساكنة المنطقة .
في ضوء ما سبق – و هذه قناعتي الشخصية- أعتقد جازما بأن هذه المدينة لا تحتاج اليوم لمجرد ” برنامج عمل” لتنظيم تدخلات جماعتها الترابية على المستوى الحضري ،بل ان الاوان لتحضى ببرنامج تنموي حكومي شامل مندمج ومتوازن يمكنها من الارتقاء إلى مصاف الحواضر الاخرى ، شبيه بالبرامج التنموية المندمجة التي حضيت بها عدد من المدن الاخرى بالشمال و الجنوب و وسط البلاد ،على غرار مشروع “مراكش الحاضرة المتجددة”، وبرنامج التأهيل الحضري المندمج لمدينة سلا ، وبرنامج طنجة الكبرى، و البرنامج المندمج للتنمية الاقتصادية والحضرية لمدينة تطوان ،بما يضمن الرقي بالمشهد الحضري للمدينة و يحسن جاذبيتها الاقتصادية و يجعلها فضاء يضمن الحياة الكريمة للمواطن ،اذ لم تعد التدخلات المحدودة و غير المنسقة من طرف الجماعات الترابية بمستوياتها الثلاث و من القطاعات الوزارية المختلفة تجدي نفعا أمام هول انتظارات الساكنة و حاجياتها المتزايدة ،الحاجة ماسة اليوم إلى برنامج تأهيل حضري شامل و منسق و مستدام أيضا و ليس لتدخلات منفردة هنا و هناك .
اذن فليفتح النقاش و الحوار حول التخطيط الحضري الاستراتيجي لمدينة ورزازات ،ليدلو الجميع بدلوه ما حول اية مدينة نريد ؟؟ و ماهي سبل تحقيق التنمية المنشودة بها ؟؟ و بأية رؤية ؟؟
هنا ادعو المجلس الجماعي لتنظيم مناظرة في الموضوع لعلها تكون بداية لرفع الحيف عن هذه المدينة/ الإقليم الذي عانى كثيرا من تكالب الاخرين عليه ،لدرجة انه بات محسودا حتى على مؤهلاته الطبيعية التي حباه الله بها و لم تكن منة من أحد .
بقلم : سليمان رشيد – ورزازات.