أكدز بين الأنشطة الاقتصادية و العمل الجمعوي

عبد الرحيم العكزي-باحث في علم الاجتماع
تنتمي بلدية أكدر من الناحية الجغرافية إلى وادي درعة وبالتحديد واحة مزكيطة، ومن الناحية الإدارية لعمالة وإقليم زاكورة المحدثة وفق مرسوم عدد 281-79-2 بتاريخ 7 أبريل 1997 التي تنتمي إلى جهة سوس ماسة درعة وهي إحدى مكونات منطقة درعة التي تقع في الجنوب الشرقي بين خطي عرض 99 و 31 شمالا وخطي طول بين 5 و 7 غربا ؛ و تمتد واحة درعة على مسافة 200 كلم من أفلاندرا إلى الكوع ؛ وتقدر مساحتها بحوالي 23000 كلم2. ومثلها مثل باقي المناطق التابعة لواحة مزكيطة فهي تعرف تساقطات مطرية ضعيفة وحرارة جد مرتفعة في الصيف وجد منخفضة خلال فصل الشتاء.
تقع أكدز على بعد 65 كلم من جنوب مدينة ورزازات و92 كلم من شمال زاگورة وحسب ما هو متداول فإن كلمة أگدز تعني “مكان الاستراحة”؛ حيث لعبت هذه المنطقة دورا كبيرا في تيسير تنقل القافلات التجارية الرابطة بين “مراكش” و”تمبوكتو” وقد كانت تعتبر عاصمة مزگيطة الاقتصادية، غير أن توالي سنوات الجفاف خلال السبعينيات والثمانينات أثر على فعالية دورها كمنطقة عبور.
أما من الناحية الديمغرافيا، التركيبة والعلاقات الاجتماعية فإن بلدية أكدز تتميز بكونه عبارة عن قطعة فسيفساء تتعايش فيها مجموعة من الاثنيات وفصائل قبلية ذات جدور مختلف مازالت في الكثير من الحالات تحكمها “اجماعة أو مؤسسة أمغار” التي تراجعت بعض أدوارها خصوصا في تسيير المجال وتدبير الموارد الاقتصادية مع تدخل الدولة، شأنها في ذلك شأن ” الزوايا، ويتكلم الغالب الأعم من الساكنة الأمازيغية وحتى وإن كان أصلهم عربي فإنهم ” تمازغوا”، كما أن الاحتفالات الشعبية السائدة تعج “بأحواش والركبا”.
وتتنوع الأنشطة الاقتصادية التي تزاولها ساكنة بلدية أكدز بين ماهو زراعي وغير زراعي إلا أن الدخل الفردي يبقى جد هزيل نظرا لهزالة مردودية هذه الأنشطة التي تعاني الزراعية منها من موسمية الامطار وحدة المناخ والظروف الطبيعية بينما تعاني غير الزراعية منها من ضعف البنيات التحتية وحدة المنافسة في السوق وبساطة المواد الأولية الإنتاجية. وما يميز مالية بالدية أكدز هو افتقارها للدعم المادي والكفاءات البشرية وهزالة ماليتها باعتبارها تنتمي إلى ثاني أفقر جهة “سوس ماسة درعة” وينتظر ان تزداد فقرا في الجهوية الجديدة.
أما بالنسبة للعمل الجمعوي، فالجمعيات الناشطة في مجال دائرة اكدز والتي تتعدد بتعدد مجالات اشتغالها والفئات التي تستهدفها برامجها ومشاريعها. غلا أن القاسم المشترك بينها هو انكبابها المستمر على تحسين الوضعية الاقتصادية والحياتية لساكنة أكدز وتجاوز الهشاشة التي تعرفها جل القطاعات الأساسية خصوصا قطاعي الصحة والتعليم وانشغالها بفك العزلة عن الدواوير التي تفتقر إلى بنيات تحتية تصلها بباقي مناطق الدائرة.
ولقد استفادت الجمعيات من الخبرة المتراكمة لدى السكان في العمل الجماعي، وفي تسييرهم للأوضاع الصعبة والمشاكل الدورية، كما يستفيد العمل الجمعوي من قربه من السكان الشيء الذي يمنحه إمكانية تعبئتهم، وهناك أيضا مؤهلات ارتبطت بطبيعة الجمعيات والمتمثلة في مرونة إجراءاتها وبساطة بنياتها، والتكلفة البسيطة والمدة القصيرة التي تحتاجها لإنجاز أنشطتها وكذلك تثمينها للثقافة وللموارد المحلية.
لقد ارتبطت نقط ضعف العمل الجمعوي بحداثته عموما، فمن خلال ما يقارب 400 جمعية نجد أكثر من 53% من الجمعيات تبلغ من العمر 3 سنوات وعدد كبير من الجمعيات لم تطور عملا مستمرا ومتواصلا ولم تنجز إلا عددا محدودا من الأنشطة. وكذلك بنقص الموارد البشرية والمادية، إضافة إلى الصورة الشخصية لبعض الجمعيات التي غالبا ما ترتبط بالصورة الاجتماعية والسياسية لرئيسها أو في حالات أخرى بنواة أعضائها.
وتنقسم الجمعيات أيضا إلى جمعيات تنهج المقاربة النازلة، وهي شبيهة بالأمنية، المرتبطة أكثر بالمكتب التنفيذي للجمعية الذي يخطط وينفذ، وتبقى هذه المقاربة هي الأكثر استعمالا، حيث يحدد المكتب التنفيذي واللجان الأنشطة التي يمكن القيام بها. ويبقى رأي السكان متجاهلا إلا في حالة الحاجة إلى مساهمتهم في التمويل. وأخرى تنهج المقاربة الأفقية والتي لا تطبق إلا من طرف عدد قليل من الجمعيات، وهي مقاربة تهدف بالأساس إلى ضمان مشاركة فعالة وواسعة للمجموعات المهمشة في تحديد مصيرها، وفي اتخاذ القرارات والتخطيط وبرمجة الأنشطة والمشاريع التي تهمهم، حيث يتجاوز الأمر هنا الإشراك فقط في إنجاز المشاريع أو المساهمة المادية للسكان. بل هي مقاربة شمولية تروم الإشراك في تحديد المشاكل والبحث عن الحلول لمواجهتها من قبل السكان بعيدا عن الخطاطات المجردة والمتصلبة المطبقة من طرف الخبراء التنمويين.
باعتبار موقعها الجغرافي وواقعها المالي والاقتصادي وتركيبتها الاجتماعية، فإنه من الطبيعي أن تعرف دائرة أكدز ضعفا إنمائيا وتراجعا في المؤشرات الاجتماعية، حيث تعرف ارتفاعا في كل من نسبة الأمية والهذر المدرسي خصوصا في صفوف الإناث وانتشار البطالة في صفوف الشباب ووضعية مزرية في المجال الصحي خصوصا الصحة الإنجابية التي تعرف ارتفاع وفيات الرضع والأمهات أثناء الوضع.
عبد الرحيم العكزي-باحث في علم الاجتماع